الخميس، 10 يناير 2013

تفتحنا بين الماضي والحاضر والمستقبل


لقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم غير مهتم في شبابه بالعالم الجاهلي وانزوى للعبادة في غار حراء، لأن الله كان يعده روحيا ونفسيا وفكريا للرسالة المقدسة : 
والتي تحتاج إلى صفاء فكري وتزكية روحية ورجاحة عقلية أعلى من كل علاء..
ولهذا فإن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يكن منغلقا في هاته الفترة ، بل كان منعزلا للتأمل والعبادة ، ولتصفية خواطره من كل كدورات الجاهلية ، وهاته التربية الروحية لحد الآن لها روادها من العارفين بالله ، والذين ربوا أتباعهم على هذا الصفاء لحد الكلام اليوم عن فقه التصوف .. 
ومعظم المتصوفة ومهما اختلوا فإنهم لم ينغلقوا بل ليتفتح وجدانهم على عالم الغيب والملكوت بعد عالم الملك والشهادة ، وهاته مراقي يرفضها قطعا من سواهم من المنغلقين على الرسوم ، ولحد تكفير أوليائهم.. كما يشهد لمدارس التصوف تفتحها على العديد من الفلسفات ولحد المزج بين فلسفة الأديان والإستفادة من علومها قصد فهم أعمق للتدين ، بالرغم مما إعترى ولا يزال يعتري هذا التفتح من سلبيات وشطحات .. 
فالصوفي الحق إذن منعزل لكن غير منغلق . وهذا تعليق بسيط على انزواء الرسول صلوات لله عليه قبل البعثة .
أما في عهد البعثة فكان الرسول صلى الله عليه وسلم متفتحا على :
ـــ السماء ووحيها
ـــ وقريش بمكة ومكائدها
ـــ واليهود والمنافقين بالمدينة ومصائدهم
ـــ بل وعلى مايجري في الإمبراطوريات المعاصرة له وإلا كيف يدعو بالهجرة للحبشة لعدالة النجاشي ؟ وكيف يوجه رسائله لملك الفرس وإمبراطور الروم؟ .
فالرسول صلى الله عليه وسلم لم يكن منزويا للتعبد بانغلاق كما يريد البعض لديننا أن ينحرف ، بل والقرآن نفسه كما سلف في خاصيتي العلمية والشمول يدعو إلى التفتح وإلا فلا ميزات لديننا عن كهنوت الوثنيين والنصارى والمجوس واليهود وغيرهم.
ولهذا فإن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يرحل للرفيق الأعلى إلا بعد إنطلاق الفتوحات الكبرى : وأسامة بن زيد يستعد .. الفتوحات التي أتم مشوارها الخلفاء ثم من تلاهم ، وليتفتح المسلمون واقعيا بل وحضاريا على كل محيطهم :
لكننا لاننكر إهتمام الخلفاء الراشدين أكثر بالسياسة الداخلية للأمة نظرا لما استجد من فتن :  كالمرتدين..ومانعي الزكاة ..ومكائد المنافقين..والمتنبئين..ومؤامرات اليهود والروم والفرس من بعيد...وغيرهم 
 لكن هذا لم يمنع الأمويين بعدهم ، وبالرغم من بزوغ فتن الفرق والطوائف على إكمال الفتوحات ، وليصبح العالم الإسلامي بهذا عالم حضارات عديدة ، إمتزجت فيما بينها لتعطي للعالم حضارة إسلامية لها من التنوع ما للبلدان المفتوحة من تراث ..بل ولحد إقامة بيت الحكمة في عهد العباسيين وترجمة الكتب العجمية بكل ضلالها للعربية وتفنيدها بالفلسفة الإسلامية وعلم الكلام ..
العلوم التي لايستسيغها كثير من الفقهاء الذين لايرون في بناء العقل المسلم إلا فقههم .
ولحد قول إبن رشد رحمه الله عنهم : هناك من الناس من يظن أن الله لم يهد غيرهم .
لكن وللأسف جاء بعدها زمن الإنحطاط لفتن كثيرة نجملها في :
1ـ اتساع رقعة العالم الإسلامي وضعف الخلافة بعد العباسيين
2ـ معارضة المصلحين للأنظمة الحاكمة
3ـ زحف الغزو الصليبي على العالم الإسلامي
4ـ انقسام الأمة إلى دويلات
5ـ الغزو الإمبريالي للعالم الإسلامي وتحقيقه للإستعمار المباشر
وهناك أسباب عديدة داخلية وخارجية تبرر كل هذا لكن اكتفينا بهاته الخمسة أسباب لأنها تشرح بوضوح علل الغزو الحضاري الغربي للأمة وبالتالي التفتح الإسلامي عنوة على الثقافات الغربية ، ولحد تفتخنا وقبولنا لكل عوراتها ..
ورغم كل هاته السلبيات فقد كانت لهذا الغزو حسنات كبيرة ، وخصوصا في الجانب المادي  :
ففي العصر الذي كانت فيه الأمة الإسلامية هائمة في فتنها الداخلية عرفت أوربا وكل العالم الغربي اكتشافات كبيرة وثورات علمية وصناعية براقة كان مهدها ما درسوه من عباقرة العرب الذين كانوا روادا لكثير من المدارس الفكرية الغربية كابن رشد وابن سينا والخوارزمي وغيرهم ..
وهذا التقدم الغربي والإنحطاط العربي كان هوالأساس في انهزام العالم الإسلامي ، والذي كانت من أسبابه الكبرى :
ـ محاربة اليهود وصهيونيتهم والنصارى وصليبيتهم للإسلام 
ـ الطمع الإستعماري للغرب في خيرات العالم العربي والإسلامي ، والمستمرة لحد الآن
ـ الحلم الإسرائيلي في استحمار العالم كله كما يملي تلمودهم الذي يعد الإسلام العقبة الوحيدة أمام طموحات اليهود
ـ شره نفسية الغرب للعلو والفساد في الأرض .
وكل هذا أدى إلى وجود عالم إسلامي متفكك لكنه والحمد لله متفتح على كل الثقافات رغم أن هناك من لم يأخد من الغربيين إلا أمراضهم الفكرية والخلقية والحضارية ..
في الوقت الذي نجد فيه مسلمين نهلوا من الغرب أرقى ما لديه فصاروا طاقات حقا فعالة ولصالح الإسلام والمسلمين بل وكل الناس  ..
وحتى صار المسلمون الدارسون اليوم لعلوم الغرب والمتفقهين في الإسلام نمودجا ومثالا حيا لبديلنا الحضاري ..
فالتفتح إذن إن كان محصنا بالإيمان العميق لن يكون إلا لصالحنا وكل الإنسانية ..
 أما الإنغلاق فكان ولايزال السبب الأساس في قوله تعالى : كل حزب بما لديهم فرحون . الروم 32 
 بل والتفتح هو الذي جعلنا نعرف اليوم على العالم كل شيء في حين أن انغلاق العالم الغربي علينا اليوم جعله يجهل عنا الحقائق ، ولتسوسه ثقافات الصحافة السياسية ضدنا ، كما قال الحسن الثاني رحمه الله لأحد الفرنسيين : نحن نعرف عليكم كل شيء لكنكم تجهلون عنا الكثير .. أو كما قال .
فللتفتح إذن حسنات كثيرة منها :
ـ احتواء العرب لكل علوم العالم ولغاته
ـ تحقيق الشمولية في الفكر الإسلامي
ـ الإطلاع على دقائق جل العلوم
ـ الإلمام بالحضارات الأجنبية
ـ استيراد العديد من حسنات الحضارة الحالية
ـ التعايش الحضاري للدول الإسلامية مع كل الحضارات
ـ إستيراد الديمقراطية من الغرب والتي لايناهضها الإسلام إلا في بعض دقائقها ولحد الكلام على إصلاح  الديمقراطية بالشورى  .
وهناك حسنات أخرى لاتزيد التفتح إلا بزوغا بينما يكفي أن تكون من سيئات الإنغلاق :
ـ الفكر الرجعي المناهض حتى للتقدم المادي
ـ الفكر الظلامي الغير متنور
ـ الجهل السياسي
ـ التموقف الحماسي
ـ الشعارات الزائفة
ـ التحزب الأناني والتعصب البغيض
ـ أحادية الرأي
ـ فرض الإجتهاد والقناعة عنوة
ـ رفض الإختلاف والتنوع
ـ تكريس الخلافات والتدابر بين المسلمين
ـ الجهل بالعلوم الحديثة وما استجد من اجتهادات عميقة
ـ القصور في الفهم
ـ رفض الدراسات المعمقة في الإسلام
ـ الإتغلاق على جماعة أو حركة أو تيار واحد
ـ احتقار اللامنتمين لتيارات المعارضة الإسلامية أو الإسلاموية بلغة أدق
ـ تعقيد الشباب المنتمي لهاته التيارات
ـ ادعاء التفقه رغم الجهل الكبير
ـ التجرؤ على الفتاوي دون كفاءات ................
بل وهناك مئات السلبيات التي نوجزها في كل مناكر التطرف الذي يعد - ولحد اليوم - السبب الأكبر في تشويه صورة الإسلام والمسلمين ..
لكن الأمل كبير في علاج هاته الصورة ، وخصوصا وكبرى الجامعات بل والعديد من الباحثين في الغرب صاروا أكثر جدية في دراسة الإسلام ، ومعرفة تاريخه الحقيقي وحضارته ..
 ولحد الجزم بشروق جديد لعلومنا الإسلامية من جامعات الغرب ، بعد المستوى الضعيف  اليوم لجل لجامعاتنا  وللأسف. 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق